فصل: الثاني عشر: في قضاء الصلوات وترتيبها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثاني‏:‏ في كيفية أدائها

وفيه فروع عشرة‏:‏

الأول‏:‏ الغسل وهو مندوب إليه، وحكى اللخمي‏:‏ الوجوب لما في الصحيحين، قال - عليه السلام -‏:‏ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل، وفي أبي داود‏:‏ من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل فائدة‏:‏ الهاء في بها عائدة على فعلة الوضوء متعلقة بفعل محذوف تقديره فبها خذوا، وفي الكتاب‏:‏ لا ينتقض الغسل بناقض الوضوء؛ لأنه مشروع للنظافة لا لرفع الحدث، فناقضة الأوساخ دون الحدث، كما قلنا في وضوء الجنب عند النوم، لا ينقضه الحدث الأصغر؛ لأنه لم يشرع له، قال سند‏:‏ والظاهر افتقاره إلى النية؛ خلافا لأشهب محتجا بأنه مشروع للنظافة فلا تشترط النية‏:‏ كإزالة النجاسة‏.‏

وجوابه‏:‏ أن ذلك وإن كان مطلوبا إلا أن فيه شائبة التعبد، بدليل توجهه على التنظيف، قال أبو الطاهر‏:‏ المشهور عدم إجزائه بماء المضاف كماء الرياحين، وقيل‏:‏ يجزي، وفي الكتاب‏:‏ يكون متصلا بالرواح، وقال ابن وهب في العتبية، وح وش‏:‏ إن اغتسل بعد الفجر اجزأه‏.‏ لنا الحديث السابق، والشرط لا يتأخر عن المشروط، وقد جعل الرواح فيه شرطا، ولأن المقصود أن يصلي على أكمل هيآت النظافة، قال سند‏:‏ إن تراخى يسيرا فلا شيء عليه، وإن دام متعمدا استأنفه عند ابن القاسم، وإن غلبه النوم فإن نسي الغسل وذكره في المسجد، والوقت يتسع رجع فاغتسل، وإلا فلا الثاني‏:‏ القراءة فيها جهرا بخلاف صلاة النهار؛ لأن المقصود إظهار الشعائر، ولذلك شرع فيها الخطبة والجمع في المكان الواحد والزينة، وفي الجواهر‏:‏ يقرأ فيها‏:‏ بالجمعة في الأولى، وبالمنافقين أو بسبح أو هل أتاك حديث الغاشية في الثانية، وقاله ش، خلافا ح؛ لما في الموطأ‏:‏ أنه - عليه السلام - كان يقرأ على إثر سورة الجمعة‏:‏ هل أتاك حديث الغاشية ‏.‏

الثالث‏:‏ قال سند‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ يؤمر لها بالطيب والزينة، وقص الشارب، والظفر، ونتف الإبط، والاستحداد، والسواك؛ لما في الصحيحين قال - عليه السلام - الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن، وأن يمس من الطيب ما قدر عليه، ولو من طيب المرأة، ومعنى الوجوب في هذا الحديث‏:‏ تأكد السنة، وقيل‏:‏ يستعمل في معناه اللغوي وهو السقوط، ومنه قوله تعالى‏:‏ فإذا وجبت جنوبها أي‏:‏ سقطت‏.‏ ويدل على ذلك عطف ما ليس بواجب عليه من الطيب والزينة‏.‏

الرابع في الجلاب‏:‏ التهجير أفضل من التبكير خلافا لابن حبيب وش، واختلف الشافعية‏:‏ هل أوله الفجر أو الشمس‏؟‏ محتجين بقوله - عليه السلام - في الموطأ‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر، فحملوا الساعات على العادية، وقسم مالك الساعة السادسة خمسة أقسام، فحمل الحديث على هذه الأقسام؛ حجته‏:‏ أن الرواح لا يكون لغة إلا بعد الزوال، ومنه قوله تعالى‏:‏ غدوها شهر ورواحها شهر فالمجاز لازم على المذهبين، ومذهبنا أقربهما للحقيقة فيكون أولى، ولأنه عقب الخامسة بخروج الإمام وهو لا يخرج بعد الخامسة من ساعات النهار، وإلا لوقعت الصلاة قبل الزوال، وإذا بطل أحد المذهبين تعين الآخر؛ إذ لا قائل بالفرق، وبتقسيم السادسة قال صاحب المنتقى وصاحب الاستذكار، والعيسى في شرح الرسالة، وصاحب الطراز، وقال اللخمي، وابن بشير، وصاحب المعلم، وابن يونس، وجماعة التقسيم‏:‏ في السابعة، والموجود لمالك إنما هو قوله‏:‏ أرى هذه الساعات في ساعة واحدة ولم يعين فاختلف أصحابه في تفسير قوله على هذين القولين، والأول هو الصحيح؛ لأن حديث مسلم كان ينصرف من صلاة الجمعة والجدران ليس لها فيء، وإذا كان - عليه السلام - يخرج في أول السابعة وقد قال في الحديث‏:‏ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر؛ فإذا كان الامام يخرج في أول السابعة بطل الحديث بالكلية، ولا يمكن إن يقال إن تلك الأزمان أزمنة في غاية الصغر، فإن الحديث يأباه والقواعد؛ لأن البدنة والبيضة لا بد أن يكون بينهما من التعجيل والتأخير وتحمل المكلف من المشقة ما يقتضي هذا التفصيل، وإلا فلا معنى للحديث، ولا هذا الترغيب في المبادرة إلى طاعة الله تعالى‏.‏

الخامس في الجلاب‏:‏ الأذان الثاني آكد من الأول، وهو الذي يحرم عنده البيع، ويروى أن مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا ثلاثة يؤذنون على المنابر، واحدا بعد واحد فإذا فرغ الثالث قام - عليه السلام - فخطب إلى زمن عثمان كثر الناس، أمر بأذان بالزوراء - وهي موضع السوق ليرتفع الناس منه عند الزوال، فإذا جلس أذن على العادة إلى زمن هشام بن عبد الملك، نقل أذان الزوراء إلى المسجد وجعله مؤذنا واحدا؛ فإذا جلس أذن الجميع قدامه، قال ابن حبيب‏:‏ والسنة أولى بالإتباع، وفي الكتاب يكره البيع عند الاذان والجلوس على المنبر، فإن فعل فسخ، ويكره ممن لا تجب عليهم الجمعة من المسلمين، ولا يفسخ إلا أن يبايعهم من تجب عليه، قال سند‏:‏ إنما الخلاف إذا أذن، ولم يقعد فظاهر الكتاب الجواز، وروى ابن القاسم المنع، والمذهب وجوب الرواح للخطبة لظاهر القرآن، وقيل‏:‏ للصلاة، فعلى الأول‏:‏ يجب السعي بمقدار ما يدرك من الخطبة، قال ابن حبيب‏:‏ ويؤمر بإقامة الناس من الأسواق، والمعتبر من الأذان أوله، ووافق ابن حنبل في فسخ البيع ممن تجب عليهم الجمعه، وروي عن مالك امضاؤه، وقاله ح وش‏.‏ لنا أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وجه الثاني‏:‏ أن البيع سالم في نفسه من المفاسد، وإنما منع صونا للصلاة عن الفوات، فعلى القول الأول بالفسخ ففات، مضى بالقيمة عند ابن القاسم وأشهب، وبالثمن عند سحنون والمغيرة؛ نظرا للنهي أو لسلامة العقد في نفسه، والقيمة حين القبض عند ابن القاسم، وبعد الجمعة عند أشهب مراعاة لوقت جواز البيع، وإذا حصل ربح، لم يحرم عند مالك؛ لملك المبيع بالقيمة، ويتصدق به عند ابن القاسم، قال‏:‏ ولا خلاف في منع كل ما يشغل عن السعي، واختلف في فسخ النكاح على القول بفسخ البيع‏:‏ فأجازه ابن القاسم، وفسخه أصبغ، واختلف في إلحاق الإجارة، والفرق بين البيع وبينهما كثرته بخلافهما؛ فتكون مفسدته أعظم، والشركة والإقامة والتولية والأخذ بالشفعة ألحقها ابن عبد الحكم بالبيع، قال‏:‏ والحق أنها أخف، وألحق عبد الوهاب الهبات والصدقات بالبيع، قال وعندي أنها تبرعات عبادات يتقرب بها وعادة الناس التصدق يوم الجمعة‏.‏

فرع‏:‏

فإن اضطر لشراء الماء للطهارة، قال ابن أبي زيد‏:‏ يشتريه؛ لأنه إعانة على الجمعة لا صارف عنها، قال‏:‏ أما إن كان البائع من أهل الجمعة ففيه نظر لاشتغاله عنها‏.‏

السادس‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ من وجبت عليه الجمعة فصلى ظهرا في بيته لا يجزيه، قال سند‏:‏ قال ابن نافع‏:‏ يجزيه؛ لأنه لو أعاد لأعاد أربعا مثل الأولى، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل فرض الوقت الجمعة لا يجب إسقاطها فلا يجزئ أو الظهر ويجب إسقاطه بالجمعة، وقد فات ما يجب به الإسقاط فيجزئ‏؟‏

السابع في الكتاب‏:‏ يتنفل الإمام بعد الجمعة في بيته دون المسجد؛ لما في الصحيحين‏:‏ كان - عليه السلام - لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته، ولعموم قوله تعالى‏:‏ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، قال‏:‏ وكذلك من خلفه، فإن ركعوا فواسع‏.‏

الثامن في الكتاب‏:‏ يصلي الظهر من لا تجب عليه الجمعة بإمام؛ بخلاف من تجب عليه، ووافق ش في الأولين، وخالف ح بالكراهة؛ لأن زمانه - عليه السلام - لا يخلو عن المعذورين، ولم يأمرهم بذلك - عليه السلام -‏.‏ لنا أدلة فضل الجماعة، قال سند‏:‏ وفي الواضحة يستحب تأخيرهم حتى تفوت الجمعة، وقاله ش، وظاهر الكتاب خلافه، ويستحب لهم إخفاء صلاتهم لئلا يتهموا، ولا يؤذنون؛ لأن الأذان يومئذ من سنة الجامع، قال المازري‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يجمع الخائف ولا المتخلف لعذر المطر الذي هو غير عام؛ لإمكان الأمن في الأول، وتحمل المشقة في الثاني وإن كان لا يجب، أما إذا كان عاما، قال اللخمي‏:‏ الأحسن جمع أرباب الأعذار كلهم، أما من تجب عليهم الجمعة، فروى أشهب يجمعون، واستحبه ش، وجه المذهب، سد ذريعة البدع‏.‏ وإذا قلنا‏:‏ لا يجمعون فجمعوا؛ أجزأهم‏.‏

التاسع في الكتاب‏:‏ يتخطى إلى الفرج برفق قبل جلوس الإمام، فإذا جلس فلا؛ لما في أبي داود أن رجلا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي - عليه السلام - يخطب، فقال له النبي‏:‏ اجلس فقد آذيت الناس، ولأنه يمنع الإنصات، وكرهه ش مطلقا لعموم الأداء، ومرعاة الفرج أولى مم تخلف عن سدها، ومن قام لحاجة على وجه العود، فهو أحق بموضعه‏.‏

العاشر، قال سند‏:‏ لا يقام عند مالك وش في جامعين، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ إذا كبر المصر واحتاجوا إلى ذلك يجوز، وقال ابن القصار‏:‏ إن كانت المصر ذات جانبين جاز، وجوزه محمد بن الحسن مطلقا في مسجدين، وداود في سائر المساجد‏.‏ لنا أن وجوب السعي يأبى الإقامة مطلقا إلا ما خصه الدليل، ولأنه - عليه السلام - فعله والخلفاء بعده، فلو جاز ذلك لم تعطل المساجد في زمانهم، فهو إجماع؛ فلو صليت في مسجدين، فقال مالك‏:‏ الجمعة لأهل المسجد العتيق، وقال بعض الشافعية للسابقين، وهل بالإحرام أو بالسلام قولان‏؟‏ لنا أن الثاني لم يتفق عليه جامعا، فلا تصح الجمعة فيه لفقدان شرطه، ولأنه لو جاز ذلك لأمكن كل جماعة إفساد جمعة المصر، فلو أنشئت قرية يصلي فيها جمعتان؛ فإن كانت أحداهما بتولية السلطان فالجمعة له، وإلا فمن سبق بالإحرام؛ لوجوب متابعته حينئذ‏:‏ وإن جهل السبق فسدتا، وقال المزني‏:‏ تصحان؛ لأن البناء على الصحة فلا يبطل بالشك‏.‏ لنا أن الذمة مشغولة وشككنا في السبق المبرئ فتبقى مشغولة، وإذا حكمنا بالفساد، وسبقت أحداهما أو جهل سبقهما، أعادوا جميعا أربعا؛ لقطعنا بتأدي الجمعة، فلا يجزئ أحدا بعد ذلك جمعة - إن علمت المقارنة، وإن جهل الحال، فالأحوط يصلون جمعة ويعيدون ظهرا أفذاذا‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في مسقطاتها

وهي ثلاثة‏:‏ التغرير بالنفس أو العرض أو المال، واختلف في خروج العروس، قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يتخلف عن الجمعة والجماعات، وقيل‏:‏ يتخلف، قال ابن رشد‏:‏ وهي جهالة عظيمة - كما قال مالك، وغلطة غير خافية، وقال مالك‏:‏ يتخلف لتمريض من يتعلق به، وتجهيز جنازته، وخوف الغريم مع الإعسار، والمطر العظيم، وقال ابن حبيب‏:‏ يتخلف الأعمى إذا لم يجد من يقوده بخلاف المجذم، وليس للسلطان منعه في الجمعة خاصة، ولا يخالط الناس في بقية الصلوات، وقال ابن سحنون‏:‏ لا يخالطوهم في الجمعة، ولا تسقط بشدة الحر والبرد، ولا بصلاة العيد - إذا كانا في يوم، خلافا لابن حنبل محتجا بما في أبي داود‏:‏ أنه - عليه السلام - قال‏:‏ قد اجتمع في يومكم عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة - وأنا مجمعون ‏.‏ لنا آية وجوب السعي، ولأنه عمل الأنصار في سائر الأقطار، وأما الخارج عن المصر ففي الكتاب لا يتخلفون، وروي عنه يتخلفون لإذن عثمان - رضي الله عنه - لأهل العوالي، ولما في انتظارهم رجوعهم من المشقة، قال المازري‏:‏ قال مالك‏:‏ ليس على الشيخ الفاني ولا المريض جمعة، قال اللخمي‏:‏ الذين تسقط عنهم الجمعة إذا حضروها ثلاثة أقسام‏:‏ قسم تجب عليهم وبهم وعلى غيرهم - وهم أرباب الأعذار‏:‏ الرجال الأحرار فتكمل بهم الجملة، وقسم لا تجب عليهم ولا بهم وهم الصبيان، وقسم لا تجب عليهم وقال ابن القاسم وسحنون‏:‏ لا تجب بهم على غيرهم خلافا لأشهب - وهم المسافرون والعبيد؛ ونقل أبو الطاهر قولا بعدم إجزائها للمسافرين فروع ثلاثة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ إسقاطها عمن بعرفة ومنى، وعلل بأن الحال في تلك المواطن مسافر - وأهلها نزر يسير، ولا تعقد بهم الجمعة، وناظر أبو يوسف مالكا عند الرشيد، فقال‏:‏ صلى النبي يوم - عرفة ركعتين - والجمعة ركعتان، فقال مالك‏:‏ هل جهر أم أسر‏؟‏ فسكت أبو يوسف‏.‏

الثاني‏:‏ يجوز إنشاء عذر السفر إجماعا، قال سند‏:‏ وروى ابن القاسم كراهته قبل الزوال، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل؛ إلا أن يكون جهادا‏.‏ وروي عن مالك لا بأس به، وقاله ‏(‏ح‏)‏، ويحرم بعد الزوال عند مالك، و‏(‏ش‏)‏، وقال ابن حنبل إلا أن يكون في الجهاد، وجوزه ‏(‏ح‏)‏ قياسا على سائر الصلوات؛ فإن خرج قبل الزوال ولم يؤذن حتى تجاوز ثلاثة أميال تمادى، وإلا فظاهر المذهب الرجوع‏.‏

الثالث‏:‏ إذا ورد إلى بلده وطمع في إدراك الجمعة؛ فلا يصلي الظهر؛ فإن صلاها في مسافة لا يجب فيها السعي أجزأه، وإن كانت تجب منها فإن لم يدرك الجمعة؛ فالظاهر الإجزاء نظرا إلى حالة الإيقاع - وهي حالة سفر؛ وإن أدرك قال الباجي‏:‏ إن كان عالما بذلك لم يجزه، فإن صلى على قرب من مصر معتقدا أنه لا يدرك الجمعة ثم أدركها، قال مالك‏:‏ يصليها، وقال أشهب‏:‏ الأولى صحيحة، ويعيد جمعة - ويكل أمرها إلى الله تعالى، وإذا قلنا بصحة الأولى، فعند عبد الملك تجب عليه الجمعة، وعند سحنون تكره، وعند أشهب إن كان صلى فذا استحب له وإلا كره‏.‏

العاشر‏:‏ في صلاة السفر

السفر في اللغة‏:‏ قطع المسافة، وهو مأخوذ من قولهم‏:‏ سفرت المرأة عن وجهها؛ إذا أظهرته، وأسفر الصبح‏:‏ إذا ظهر؛ لأنه سفر عن أخلاق الرجال بسبب مشاقه، والكلام في السبب والشروط والحكم ومحله؛ فهذه أربعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في السبب

وهو في الكتاب‏:‏ سفر ثمانية وأربعين ميلا‏:‏ أربعة برد، كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، وترك قوله يوما وليلة، قال سند‏:‏ معناه ترك التحديد - قاله بعض الأصحاب، وإلا فهما سواء، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقاله ‏(‏ح‏)‏‏:‏ أربعة وعشرون فرسخا، وروي عن مالك خمسة وأربعون ميلا، وقال ابن حبيب‏:‏ أربعون ميلا، وروي عن ابن القاسم‏:‏ من صلى في ستة وثلاثين ميلا لا يعيد، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يعيد في الوقت، وفي الجواهر‏:‏ وروي عن مالك اثنان وأربعون ميلا‏.‏ لنا ما في البخاري‏:‏ كان ابن عباس وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد، ويروى عنه - عليه السلام -‏:‏ لاتقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ‏.‏

فوائد الفرسخ‏:‏ فارسي عرب، والميل يشبه أن يكون من الميل بفتح الميم؛ لأن البصر يميل فيه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وفيه سبعة مذاهب‏:‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ هو عشرة غلى، والغلوة طلق الفرس وهو مائتا ذراع، فيكون الميل ألفي ذراع قاله ابن حبيب، وقال ابن عبد البر‏:‏ أصح ما قيل فيه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، ونقل صاحب البيان‏:‏ ثلاثة آلاف ذراع، وقيل‏:‏ أربعة آلاف ذراع؛ كل ذراع ستة وثلاثون أصبعا؛ كل أصبع ست شعيرات بطن أحداها إلى ظهر الأخرى؛ كل شعيرة ست شعرات شعر البرذون، وقيل‏:‏ أمد البصر - قاله صاحب الصحاح، وقيل‏:‏ ألف خطوة بخطوة الجمل، وقيل‏:‏ أن ينظر الشخص فلا يعلم أهو آت أم ذاهب، أو رجل أو امرأة، قال سند‏:‏ والبحر عند مالك مثل البر في اعتبار المساحة، وروي عنه أيضا اعتبار يوم وليلة؛ لأن الريح قد تقطع تلك المساحة في نصف نهار، قال‏:‏ ولا فرق بين المساحة المستقيمة أو الشديدة لحصول المشقة، واشترط ابن الجلاب واللخمي الاستقامة، قال‏:‏ فإن اجتمع البر والبحر؛ فإن راعينا المساحة فلا كلام، وإلا وجب التلفيق؛ فإن كانت البداية بالبر وهو لا يسافر في البحر إلا بالريح؛ ففي الجواهر قال ابن المواز‏:‏ ولابد أن يكون في مسافة البر أربعة برد؛ لأن الريح قد يتعذر، فلو كان للبلد طريقان‏:‏ قريب وبعيد، فعدل عن القريب الناقص عن مسافة القصر لحاجة، قصر عند مالك، و‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏، وإن لم يقصد إلا للترخص، فقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يقصر، وللشافعي قولان؛ ويتخرج لمالك قولان من قوليه في لابس الخف للترخص‏.‏

قاعدة‏:‏

الأصل اعتبار الأوصاف المشتملة على الحكم، فإذا تعذر اعتبارها‏:‏ إما لعدم انضباطها أو لخفائها، أقيمت مظنتها مقامها، فكان الأصل إناطة الأحكام بالعقل حالة وجوده، لكنه لما لم ينضبط زمانه، أقيم البلوغ مقامه لكونه مظنة له، وموجب انتقال الأملاك الرضى، ولما لم يعلم أقيم الإيجاب والقبول مقامه، والمشقة سبب الترخص بالقصر، فلما لم تنضبط أقيمت المساحة مقامها؛ لكونها مظنة لها‏.‏

فروع أحد عشرة‏.‏

الأول قال في الكتاب‏:‏ إذا واعد من يمر به أو ينتظر فيه رفقة تأتيه، وبينه وبين ذلك الموضع الذي يمر به أو ينتظر فيه‏:‏ ما لا تقصر فيه الصلاة إن كان عازما على السفر على كل حال قصر، وإن كان لا يسافر إلا بهم أتم؛ حتى يبرز عن الموضع الآخر‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ متى نوى المسافر إقامة أربعة أيام أتم، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ربيعة يوما وليلة قياسا على مدة السفر، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ خمسة عشر يوما ؛ لقول ابن عباس ذلك، وقال الليث‏:‏ ستة عشر، وإسحاق‏:‏ تسعة عشر - لما في الصحيحين‏:‏ إقام - عليه السلام - عام الفتح تسعة عشر يقصر الصلاة، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا‏.‏ لنا قوله - عليه السلام -‏:‏ يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا مع تحريم الإقامة عليهم بمكة؛ لأنهم تركوها لله فيكون الزائد إقامة، وفي مسلم‏:‏ الضيافة ثلاثة أيام، والمقيم لا يضيف، ولأن ظاهر القرآن يقتضي أنه إذا لم يكن ضاربا في الأرض لا يقصر، خالفناه في الثلاث؛ لأن المسافر تنعقر دابته ويقضي في بعض المناهل حوائجه، فلابد من اللبث اليسير، فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل، والجواب على ما نقلوه أن اللبث ليس مانعا من القصر، بل لابد من نية الإقامة، فلا بد على وجودها من دليل، وعن القياس الفرق بأن أكثر الإقامة أكثر من أكثر السفر عادة، فيكون أقلها أكثر من أقله عملا بالمناسبة‏.‏

تفريع‏.‏

قال سند‏:‏ اعتبر ابن القاسم أربعة أيام غير يوم دخوله لتناول لفظ خبر الأيام، ويلزم على قوله‏:‏ عدم اعتبار يوم خروجه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ابن المواز وسحنون‏:‏ عشرون صلاة، وقاله ابن حنبل؛ لأن الحكم إنما تعلق بالأيام لأجل الصلوات، فلو عزم على السفر بعد الأربعة، قال سحنون‏:‏ لا يقصر حتى يظعن كابتداء السفر، وقال ابن حبيب‏:‏ يقصر في موضعه دفعا للنية بالنية‏.‏ ولو نوى الاستيطان إلا أنه عزم على الحركة قبل الأربع ثم رجع أتم عند مالك، وقصر عند ابن مسلمة، ولو عزم بعد الأربعة على إتمام سفره، اشترط في الثاني مسافة القصر - وهو أرجح قولي مالك، وبه أخذ ابن القاسم وابن المواز‏.‏

الثالث في الكتاب‏:‏ إذا عزم على الإقامة بعد ركعة يضيف إليها أخرى ويجعلها نافلة، ثم يبتدئ أربعا، قال سند‏:‏ ولابن القاسم في بطلأنها قولان لاختلاف النية، وإذا قلنا بالصحة ففي الكتاب يجعلها نافلة، وعند ابن الماجشون يتمها سفرية، وتجزيه، خلافا ‏(‏ح ش‏)‏ نظرا للإحرام كالمتيمم يطرأ عليه الماء، فلو نوي الإقامة قبل الركوع، قال مالك‏:‏ يجعلها نافلة، وقال ابن الماجشون‏:‏ يتمها أربعا بخلاف ما بعد الركوع؛ لحصول ما يبني عليه كمن أدرك من الجمعة ركعة، ولو أدرك في الجمعة دون الركعة صلى أربعا، فلو نسي العصر فأحرم به قبل الغروب بركعة، ثم نوى الإقامة بركعة بعد ركعة، قال سحنون‏:‏ يتمادى؛ لأنها نية بعد خروج الوقت، وقد ترتبت في ذمته سفرية، وقال أصبغ‏:‏ يقطع؛ لأن وقتها إلى الغروب ما لم يحرم قبل الغروب، كما لو غربت الشمس بعد ركعة من الجمعة، فإنه يستأنف قضاء الظهر، ثم إذا قطع المسافر، قال أصبغ‏:‏ يبتدئها سفرية؛ لوقوع النية بعد الوقت، وقال ابن المواز‏:‏ تجزيه، ثم رجع إلي قول أصبغ؛ فلو لم يحرم بالعصر حتى غابت الشمس ثم نوى الإقامة؛ صلاها سفرية، ولو بقي من النهار ثلاث ركعات وعليه الصلاتان، فلما صلى ركعة من الظهر نوى الإقامة، قال سحنون‏:‏ يصليها سفرية، والعصر حضرية؛ لأنه أقام بعد خروج وقت الظهر؛ فلو نوى بعد الصلاة، ففي الجلاب‏:‏ لا يعيد كالمريض يصح بعد الصلاة، وقيل‏:‏ يعيدها استحبابا لبقاء الوقت، والفرق أن سبب الترخيص للمريض مقارن للصلاة وللمسافر مفارق؛ لأن حالة الصلاة لا يسر فيها‏.‏

تمهيد‏.‏

لا يصير مسافرا بمجرد النية؛ لأن السفر على خلاف الأصل فلا تكفي فيه النية، ويصير مقيما بها؛ لأن الأصل الإقامة، كما قلنا في العروض تصير للقنية بعد التجارة بمجرد النية؛ لأن الأصل فيها، ولا تصير للتجارة بعد القنية إلا بالبيع مع النية‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ النواتية يقصرون، وإن كان معهم الأهل والولد في السفينة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يقصرون لأنهم بمنزلة المقيمين‏:‏

الخامس في الكتاب‏:‏ لو نوى إقامة يوم وليلة في قرية وليس فيها أهله وفيها جواريه وولده وماله قصر، فإن كان فيها أهله أتم ولو صلى واحدة؛ لأن العادة تقوم مقام القصد، كالأثمان في البيع، والكون في هذا المكان إقامة في العادة، فلا حاجة إلى النية، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ حتى ينوي إقامة أربعة أيام؛ لأن المهاجرين كانوا في مكة عند أهليهم وكانون يقصرون ونحن نمنع ذلك، وتقدير التسليم يكون خاصا بهم؛ لأنهم تركوا وطنهم لله، فلم يبق لنفوسهم إليه سكون، قال سند‏:‏ فلو نزل بقرية كان أهله بها وماتوا، ففي الموازية‏:‏ يتم مالم يرفض سكناها، ولو تزوج بقرية ليست مسكنه، ففي الموازية لا يتم حتى يبنى بأهله ثم يلزمه السكنى، وكذلك قال ابن القاسم في المجموعة في الفرعين، وفي الكتاب لو نوى الإقامة بقرية ثم سافر ثم رجع إليها أتم؛ لأنها وطنه ورجع إلى أنه يقصر؛ نظرا إلى الأصل فيها؛ لأنها ليست موضع أهله‏.‏

السادس قال سند‏:‏ إن نوى غاية ما يسافر إليه لكنه إن وجد حاجته دون ذلك رجع أتم‏.‏

السابع في الكتاب‏:‏ إذا سافر ثلاثة فراسخ ثم رجع أتم إذا رجع؛ لأنه سفر ثان دون مسافة القصر؛ بخلاف من ترده الريح غلبة؛ لأنه لم يعزم على الرجوع، وقال ابن الماجشون في المجموعة يقصر كمن ترده الريح‏.‏

الثامن في الكتاب‏:‏ يتم الأسير بدار الحرب إلى أن يسافر؛ لأنه وإن لم يعزم فهو مسجون، قال سند‏:‏ وكذلك لو سافر به الشهرين، قصر وإن كان لو وجد يهرب ورجع‏.‏

التاسع‏:‏ يقصر الجيش بدار الحرب، ولو إقام شهرا؛ لأنه - عليه السلام - إقام بتبوك عشرين يوما يقصر، قال سند‏:‏ فلو عزموا على الإقامة أربعة أيام قصروا‏.‏

العاشر في الكتاب‏:‏ إذا ردته الريح أتم في المكان الذي خرج منه، قال سند‏:‏ إن ردته الريح إلى وطنه أتم، وإلا فقولان لمالك؛ فلو ردته إلى وطنه وهو محرم بالصلاة، قال سحنون‏:‏ تبطل كما لو نوى الإقامة فيها‏.‏

الحادي عشر في الكتاب‏:‏ من دخل مكة فأقام بضع عشرة ليلة فأوطنها، ثم أراد الخروج إلى الجحفة ليعتمر منها، ثم يقدم مكة فيقيم بها اليومين، ثم يخرج يتم ورجع إلى القصر، قال في الجواهر‏:‏ يتخرج على تلفيق الإقامة - الإتمام - بضم اليومين إلى ما قبلهما، والقصر على ترك التلفيق، وأضاف اليومين إلى ما بعدهما من السفر، ويخرج على التلفيق‏:‏ من سافر في البحر ثم ردته الريح إليه‏:‏ هل يقصر فيه أو يتم‏؟‏ ولا شك أنه يتم إذا كان موضع وطنه، وإن لم يكن وطنه ولا نوى دوام الإقامة، ففي قصره قولان، ولا تحسب المسافة بالعودة إلى وطنه - وإن لم يبلغه إقامة أصلا، والإقامة المعتبرة أربعة أيام؛ فإن رجع لأخذ شيء نسيه، ثم يقصر في رجوعه؛ فقال عبد الملك‏:‏ يقصر - وإن رجع إلى غير وطنه، وكان يقصر فيه - قصر الآن‏.‏ وإن كان يتم، فقيل‏:‏ يتم في رجوعه، وقيل‏:‏ يقصر، ثم منتهى سفره منتهى قصره، إلا أن ينوي إقامة في أضعاف سفره، يكون مكان الإقامة هو المعتبر، وقيل‏:‏ يلفق المسافة بما قبل الإقامة وما بعدها، فيجري الخلاف في تلفيق الإقامة، وفي تلفيق السفر‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في الشروط

وهي أربعة‏:‏

الشرط الأول‏:‏ العزم على قطع المسافة المتقدمة، فلو قطع المسافة ولم يعزم لم يجز القصر‏.‏

الشرط الثاني في الكتاب‏:‏ لا يقصر حتى يبرز عن بيوت القرية، وإذا رجع أتم إذا دخلها أو قاربها؛ لقوله تعالى‏:‏ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ‏.‏ فرتب القصر علي الضرب، والكائن في البيوت ليس بضارب في الأرض؛ فلا يقصر‏.‏

فائدة‏.‏

نقل ابن عطية في تفسيره ضرب في الأرض إذا سافر للتجارة، وضرب الأرض إذا سافر للحج أو الغزو؛ فكأن الأول لما كان طالبا لمتاع الدنيا كان ملتبسا بها وفيها، والثاني عابرها إلى الآخرة فليس فيها، وإنما هو في الآخرة، قال سند‏:‏ ظاهر الكتاب يقتضي ألا يحاذيه من البيوت عن يمينه وشماله شيء، وروي عنه‏:‏ لا بد من ثلاثة أميال، وروى تخصيصها بقرية تقام فيها الجمعة؛ لوجوب السعي من تلك المسافة بخلاف غيرها؛ وفي الكتاب‏:‏ إذا كانت البساتين متصلة لم يقصر حتى يفارقها قاله ابن القاسم، خلافا للشافعية؛ لأنها من توابعها وأهل البلد يقيمون فيها، قال سند‏:‏ ولو كان في البلد نهر كبغداد لم يقصر حتى يتجاوز الجانب الآخر، فإن اتصل بنيان قرية بقرية فحتى يتجاوزهما، وإن كان بينهما فضاء فلا، ولا يقصر البدوي حتى يجاوز جميع بيوت الحي‏.‏

فرع‏.‏

قال‏:‏ ولو نوى الرجعة بعد بروزه ثم نوى السفر، قال مالك‏:‏ لا يقصر حتى يبرز عن موضعه‏.‏

الشرط الثالث إباحة السفر، في الكتاب لا يقصر الصائد للتلذذ، قال سند‏:‏ السفر خمسة‏:‏ واجب ومندوب ويقصر فيهما، ومباح ويقصر فيه - خلافا لابن مسعود في تخصيصه بالواجب؛ معللا بأن الواجب لا يترك للواجب، ولعطاء في تخصيصه بالعبادات‏.‏ لنا ما في الصحاح‏:‏ أنه - عليه السلام - كان إذا قفل من حجة أو غزوة قصر في رجوعه إلى بيته، وهو مباح‏.‏ ومحرم، والمشهور المنع؛ لأن المعصية لا تكون سبب الرخصة؛ كما أن زوال العقل يسقط التكاليف بخلاف السكر، والخوف يبيح الإيماء في الصلاة، والمحارب الخائف من الإمام لا يومئ، وقيل‏:‏ يترخص لعموم النص، والمكروه إن قلنا بالمنع في المحرم كره، وإلا جاز، والعاصي في سفره مخالف للعاصي بسفره‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ ألا يقتدي بمقيم، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ يتم وراءه إن أدرك ركعة، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏، وابن حنبل؛ لنا ما في الموطأ كان ابن عمر إذا صلى وراء الإمام صلى أربعا، وإذا وجده صلى ركعتين، قال سند‏:‏ وقال أشهب‏:‏ ينتظره بعد اثنتين حتى يسلم، فإن أدرك أقل من ركعة، قال مالك‏:‏ لا يتم خلافا لـ ‏(‏ح وش‏)‏ كمن أدرك أقل من ركعة من الجمعة؛ فإنه لا يلتزمها‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في الحكم

ففي الجواهر روى ابن وهب أنه سنة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وروى أشهب‏:‏ أنه فرض - وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال الأبهري وجماعة‏:‏ مباح، ولم يختلف مالك وأصحابه أن المقيم إنما يعيد في الوقت، وحكى صاحب المقدمات عن بعض العلماء المنع، وجه الندب ما في أبي داود عن ابن عمر‏:‏ قال‏:‏ صحبت النبي - عليه السلام - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عمر - رضي الله عنه - فلم يزد علىركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عثمان - رضي الله عنه - فلم يزد علي ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وجه الفرض قول عائشة رضي الله عنها‏:‏ فرضت الصلاة مثنى مثنى فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر - وقد تقدم الكلام عليه أول الصلاة‏.‏ وجه الإباحة قوله تعالى‏:‏ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، ونفي الجناح يقتضي الإباحة‏.‏

قاعدة‏.‏

الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما‏:‏ كثرة المصلحة أو المفسدة وقلتهما في الفعل، وقد يستوي الفعلان في المصلحة من كل وجه، ويوجب الرب - سبحانه وتعالى - أحدهما دون الآخر، ويثيب عليه أكثر كالفاتحة في الصلاة مع الفاتحة في غيرها، وتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات، وقد يفضل القليل على الكثير كتفضيل الصبح على سائر الصلوات، لأنها الوسطى عندنا، وركعة الوتر على ركعتي الفجر، والله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد‏.‏ فعلى هذا التقدير لا عجب أن يكون القصر على قلة مشقته وأذكاره أفضل من الإتمام‏.‏ فرق ملابسة الرخصة في قصر الصلاة أفضل، وتركها في الصوم أفضل؛ لجمعها بين الترخص وبراءة الذمة في الصلاة؛ بخلاف الصوم‏.‏

فائدة‏.‏

للعلماء في صفة القصر الوارد في الآية ستة أقوال من طول الأركان دون إسقاط عند الخوف، فلو اقتصر على الواجبات أتم ولم تجب الإعادة، فإن لم يعتدل في الرفع من الركوع والسجود ففي إعادته قولان، ومن شروطها فيصلي للقبلة وغيرها عند الخوف، أو الاقتصار على ركعتين عند الخوف، أو ركعة عند الخوف، وعليه يحمل ما في الحديث أنه - عليه السلام - صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، أو الاقتصار على ركعتين من غير خوف، ويكون قوله تعالى‏:‏ إن خفتم متعلقا بما بعده؛ تقديره‏:‏ يا أيها الذين آمنوا إن خفتم إن يفتنكم الذين كفروا في صلاتكم‏:‏ وكنت فيهم يا محمد فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك - الآية‏.‏ فهذه الفاء جواب الشرط لا نفي الحرج، أو صلاة الخوف فيكون القصر في الهيئة‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ إذا أتم أعاد في الوقت ركعتين، قال ابن القاسم‏:‏ ولو دخل الحضر أعاد أربعا؛ لأن فعلها في الحضر أربعا أفضل من السفر؛ لوقوع الخلاف في فساد السفرية، والاتفاق على فرضية الحضرية‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ إذا أحرم بنية الإتمام ثم بدا له بعد ركعتين فسلم؛ لا يجزيه، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأن إحرامه إن كان فاسدا لا يجزيه، أو صحيحا فقد أفسده بالأبطال، فلو أحرم بالاتمام ساهيا، قال ابن القاسم‏:‏ في الموازية يسجد بعد السلام، ثم رجع إلى الإعادة في الوقت، قال سند‏:‏ ولو شك هل نوى القصر والإتمام لأعاد في الوقت؛ لاحتمال الإتمام، فلو أحرم بالظهر مطلقا ولم يخصص أتم؛ لأنه الأصل، والقصر يحتاج إلى تخصيص، وفي الجواهر عن بعض الشيوخ‏:‏ يصح أن يحرم علي أنه بالخيار بين القصر والإتمام؛ لأن نيته عدد الركعات لا تلزم‏.‏

الثالث‏:‏ إذا أم المسافرين أحدهم فسبحوا به بعد ركعتين، فلم يرجع يقعدون حتى يسلموا بسلامة، قال سند‏:‏ وفيه أربعة أقوال‏:‏ ما مر، وقال أيضا‏:‏ يسلمون وينصرفون، وقال‏:‏ يتمادون ويعيدون‏.‏ وقال سحنون‏:‏ لا يتبعونه ويعيدون معه، قال‏:‏ وإنما أمرهم بالانتظار لاختلاف الناس في السفر؛ فأمالوا تمادى حضري وانتظروه حتى صلى ركعتين، بطلت صلاتهم، فلو نوى المأموم الإتمام وانكشف أن الإمام أتم، اتبعه وأعاد في الوقت، وإن قصر الإمام لم يسلم معه، كما لا يسلم المقيم ويعيد صلاته في الوقت؛ فلو أتم الإمام صلاته ساهيا وخلفه مقيم؛ لا يعتد بركعتي السهو، قال ابن حبيب‏:‏ فإن اعتدا أعاد أبدا، ولو أتم عامدا، قال ابن حبيب‏:‏ يعيد في الوقت والمقيمون أبدا؛ للاختلاف في ركعتي الزيادة‏:‏ هل هما فرض على الإمام أم لا‏؟‏ وروي عن مالك يعيدون في الوقت، وفي الجواهر‏:‏ إن أحرم بالقصر فأتم ساهيا، سجد للسهو كما في المدونة فيمن شفع الوتر ناسيا، وكما في العتبية فيمن صلى الوتر خمسا، والفجر أربعا، وأعاد أبدا في العمد، وقيل في الوقت فيهما‏.‏ أما في العمد؛ فلأن فعله صادف فعلا صحيحا كمن صلى خامسة سهوا، ثم ذكر سجدة من الأولى؛ وأما في السهو فلأن القصر غير واجب، قال سحنون‏:‏ يعيد أبدا لكثرة السهو، وقال ابن المواز‏:‏ ليس بسهو مجتمع عليه‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في المحل

وهو في الكتاب‏:‏ كل صلاة رباعية سافر في آخر وقتها الضروري قصرها، وإن قدم فيه أتمها، وإن ذكر صلاة حضر أو سفر قضاهما كما وجبتا عليه وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يقصر الحضرية في السفر؛ كما يقصر المريض صلاة الصحة على حسب حاله، والفرق‏:‏ أن حالة المريض بدل، والبدل لا يؤتى به إلا عند العجز عن المبدل، والقصر ليس بدلا عن الإتمام، قال سند‏:‏ قال عبد الوهاب‏:‏ الأولى قصر السفرية، ولو أتم جاز، ومن قال فرض المسافر التخيير في السفر خير في القضاء، قال ابن المواز‏:‏ إذا بقي من النهار ركعتان وسافر، فذكر سجدتين لا يدري من الظهر أو العصر، يصليهما سفريتين يبدأ بأيتهما شاء - نظرا للاشتراك، فإن ذكر سجدتين لا يدري مجتمعتين من صلاة، أو مفترقتين من صلاتين، صلى ظهرين وعصرا؛ يبدأ بظهر حضري ثم سفري قبل العصر أو بعده، ثم عصر سفري؛ لأنهما إن كانتا من الظهر فعصره صحيح، وسافر في وقت الظهر فيكون سفريا؛ أو من العصر فهو سفري، وإن افترقتا بطل الصلاتان وسافر في وقت العصر والظهر عليه حضرية‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في الجمع بين الصلاتين، والنظر في أسبابه، وشروطه، وحكمه

ومحله فهذه خمسة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في أسبابه

وهي ستة‏:‏

السبب الأول‏:‏ السفر، في الكتاب‏:‏ إذا جد به المسير جمع آخر الوقت الظهر وأول العصر، ويؤخر المغرب إلى مغيب الشفق؛ لما في الصحيحين‏:‏ كان - عليه السلام - إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر، أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم ينزل فيجمع بينهما‏.‏ وفيهما أيضا إذا عجل به السير في السفر، أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر؛ يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء وأسرع السير، وفي الجواهر قال أشهب‏:‏ مبادرة ما يخاف فواته، وجوزه ابن حبيب لمجرد قطع المسافة، قال الباجي‏:‏ أقوال أصحابنا تدل على جواز المنع لحدة السير، وإن كان السفر لا تقصر فيه الصلاة‏.‏

السبب الثاني في الجواهر‏:‏ مهما اجتمع المطر والطين والظلمة أو اثنان منهما أو انفرد المطر؛ جاز الجمع، بخلاف انفراد الظلام، والمشهور عدم اعتبار انفراد الطين، وظاهر المستخرجة جوازه‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجمع في المطر بخلاف الطين والظلمة، ويجمع في سائر المساجد لعموم العذر، وروي عن مالك تخصيصه بمسجده - عليه السلام - لمزيد الفضيلة، ويخصص بالمغرب والعشاء على ما في الكتاب‏.‏ واستقرأ الباجي اعتباره في الظهر والعصر من قول مالك في الموطأ‏:‏ أرى ذلك في المطر‏.‏

السبب الثالث المرض في الكتاب‏:‏ إذا خاف الغلبة على عقله يصلي الظهر، والعصر إذا زالت الشمس، والمغرب والعشاء عند الغروب - وقاله ابن حنبل خلافا ‏(‏ش‏)‏‏.‏ لنا أنه ورد في الحديث‏:‏ أنه - عليه السلام - جمع من غير خوف ولا سفر، وروي‏:‏ من غير خوف ولا مطر‏.‏ فلم يبق إلا المرض، ولأن مشقة المرض أعظم من مشقة السفر؛ قال سند‏:‏ وقال سحنون‏:‏ لا يجمع إلا بتأخير الظهر إلى أول العصر‏.‏ وإذا فرعنا على المشهور فجمع ولم يذهب عقله، قال عيسى‏:‏ يعيد في الوقت كواجد الماء بعد الصلاة بالتيمم‏.‏

سؤال‏:‏ إن وقعت الغلبة على العقل سقط التكليف، فلا يفعل ما لم يؤمر به؛ لكونه غير مشروع كصلاة الفذ، وإن لم يقع فلا يقدم الواجب عن وقته لغير ضرورة‏.‏

جوابه‏:‏ إن الوقت مشترك وهو سبب الصلاتين، فتعلق الخطاب بالثانية؛ لوجود سببها بخلاف صلاة الفذ‏.‏ وفي الكتاب يجمع صاحب البطن ونحوه في وسط وقت الظهر، والمغرب والعشاء عند الشفق، قال سند‏:‏ قال ابن شعبان‏:‏ يجمع أول وقت الظهر، وأول وقت المغرب؛ قياسا على المسافر، قال‏:‏ وقوله‏:‏ وسط الظهر؛ ظاهره ربع القامة وقد وقع في مواضع تفسيرها بآخر القامة، ويؤيده قوله‏:‏ عند مغيب الشفق، وبه فسر الباجي، قال وهذا كله فيمن يقدر على الأركان، لكن تشق عليه الحركة؛ أما لو كان يعتريه ما يعجزه عن ركن - ولو أنه القيام، جمع أول الوقت، وقال مالك في الكتاب‏:‏ لو خاف الميد في البحرجمع أول الوقت، ولا يصليهما في البحر قاعدا‏.‏

قاعدة‏.‏

السبب الرابع في الجواهر‏:‏ الخوف في جواز الجمع به قولان لابن القاسم‏.‏

السبب الخامس‏:‏ الوقوف بعرفة‏.‏

السبب السادس‏:‏ الإفاضة بمزدلفة‏.‏

فرع‏.‏

هل يجوز الجمع بغير سبب‏؟‏ حكى المازري المنع لابن القاسم، والجواز لأشهب بناء على الاشتراك في الوقت، ويعضده حديث ابن عباس‏:‏ جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ٍبين الصلاتين من غير خوف ولا سفر، ويروى‏:‏ من غير خوف ولا مطر، قال ابن عباس أراد إلا يحرج أمته‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في الشروط

وهي ثلاثة‏:‏

الشرط الأول في الجواهر‏:‏ تقدم الأولى منهما وينوي الجمع فيهما ولا يجزئ أن ينوي أول الثانية، وقيل‏:‏ يجزيه، وفي الكتاب إن صلى المغرب في بيته فلا يصلي العشاء بعدهم، قال ابن القاسم‏:‏ ويصليهما معهم‏.‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ إلا أن يكون في مسجد المدينة أو مكة فيصليها بعدهم لفضيلة المسجد، وأما الصلاة معهم فلأن الرخصة لا تتعلق بالمغرب لوقوعها في وقتها، وإنما تتعلق بالعشاء وهو مبنى على أن نية الجمع لا تشترط في الأولي؛ خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏، وهذا كله على خلاف ما في الجواهر‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ قال سند الجماعة‏:‏ فلا يجمع المنفرد في بيته ولا في المسجد خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏؛ لأن الجمع إنما شرع لمشقة الاجتماع، قال مالك‏:‏ ويجمع قريب الدار من المسجد والمعتكف فيه، قال يحيى ابن عمر‏:‏ وفي الجواهر وفي جمع الشيخ الضعيف والمرأة بالمسمع خلاف‏.‏

الشرط الثالث في الجواهر‏:‏ الموالاة‏:‏ فلا يفرق بينهما بأكثر من الأذان والإقامة، ومهما نوى الإقامة في جمع السفر في إحدى الصلاتين، بطل الجمع، وبعدهما لا يضر، ولو انقطع المطر قبل الثانية أو في أثنائها جاز التمادي على الجمع، أو لا يؤمن عوده‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في الحكم

وهو عندنا جائز، وفي العتبية عن مالك الكراهة في السفر، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ بالجواز، ومنع ‏(‏ح‏)‏ إلا بعرفة ومزدلفة - محتجا بأن المواقيت ثبتت بالتواتر فلا تبطل بالآحاد، وأجاز أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها، وتقدم الثانية في أول وقتها، وقد جنح ابن القاسم إلى قوله في المجموعة فقال‏:‏ من جمع بين المغرب والعشاء من غير مرض أعاد أبدا‏.‏ لنا ما في الموطأ‏:‏ أنه - عليه السلام - صلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا؛ في غير خوف ولا سفر، قال مالك‏:‏ أرى ذلك في المطر، وخرج مسلم‏:‏ ولا مطر‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في المحل

وهو الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ لوقوع الاشتراك بين كل صلاتين منهما على خلاف‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في صفة الجمع

وفي الكتاب‏:‏ يؤخر المغرب قليلا ويصليان قبل الشفق؛ لينصرف الناس في النور، وقال مالك في النوادر‏:‏ يجمع عند مغيب الشمس؛ لأن الضرورة إنما دعت لتقديم العشاء، قال مالك‏:‏ ولا يتنفل بينهما وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ قال سند‏:‏ وقال ابن حبيب‏:‏ يتنفل عند أذان العشاء لزيادة القربة؛ وإذا قلنا لا يتنفل فتنفل فلا يمنع ذلك الجمع قياسا على الإقامة؛ خلافا ‏(‏ش‏)‏، ولا يتنفل بعد العشاء في المسجد لينصرف الناس بضوء ولا يوترون حتى يغيب الشفق‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا ارتحل بعد الزوال جمع ذلك الوقت؛ لما في مسلم كان - عليه السلام - بتبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر فيجمع بينهما، وفي المغرب مثل ذلك‏.‏ وفي الجواهر قال سحنون‏:‏ في المغرب مثل ذلك، فقيل‏:‏ تفسير، وقيل‏:‏ خلاف، قال سند‏:‏ فإن جمع في المنهل، قال مالك‏:‏ يعيد الآخرة ما دام في الوقت، ولو جمع أول الوقت لشدة السير، ثم بدا له فأقام أو عرض له ما يوجب ذلك، قال ابن كنانة‏:‏ لا إعادة عليه كما لو ذهب المطر بعد الجمع، وفي الجواهر‏:‏ لو كان الرحيل عقيب الزوال عازما على النزول قبل تصرم وقت الثانية؛ صلى قبل الرحيل الأولى والثانية عند نزوله، ولو كان لا ينزل من قبل الزوال إلى بعد الغروب، صلى كل صلاة في أول وقتها، وكذلك المغرب والعشاء‏.‏ ولو زالت عليه الشمس في المنهل وإذا رحل نزل بعد الاصفرار، فقال بعض المتأخرين‏:‏ إن شاء جمع في المنهل أو بعد النزول؛ إذ في كلتا الحالتين خروج إحدى الصلاتين عن وقتها المختار، ولو زالت الشمس وهو راكب لا ينزل إلا بعد الاصفرار؛ وجوز ابن مسلمة الجمع إذا نزل‏.‏

الثاني عشر‏:‏ في قضاء الصلوات وترتيبها

وفيه ثلاثة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ في القضاء

وهو، واجب في كل مفروضة لم تفعل عند مالك ‏(‏ح ش‏)‏، قال سند‏:‏ وعلى مذهب ابن حبيب وابن حنبل‏:‏ لا يقضي المتعمد؛ لأنه مرتد بذلك، فإذا تاب لا يقضى‏.‏ لنا ما في مسلم‏:‏ - عليه السلام - إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله عز - وجل - يقول‏:‏ وأقم الصلاة لذكري فهو يدل بذاته وتنبيهه على معنى الآية‏.‏

فائدتان‏:‏

الأولى‏:‏ أن معنى الآية‏:‏ أقم الصلاة لذكر صلاتي؛ فيكون من مجاز الحذف، أو من مجاز الملازمة؛ لأنه إذا أقام الصلاة فقد ذكر الله تعالى فيها‏.‏

الثانية‏:‏ أن الشرع إنما خصص النائم والغافل بالذكر؛ لذهاب الإثم في حقهما الذي هو من لوازم الوجوب، فتوهم المتوهم انتفاء قضاء لانتفاء الوجوب، فأمر الشرع بالقضاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى الذي هو المتعمد، قال اللخمي‏:‏ القضاء على الفور لا يؤخر إلا لمشقة، وقال سند‏:‏ تعجيل قضاء الفوائت كتعجيل الصلاة أول الوقت يستحب ولا يجب، وفي الكتاب‏:‏ يقضى على قدر طاقته ولا يمنعه عن حوائجه‏.‏

فرعان‏.‏

الأول في الكتاب‏:‏ يقضى في سائر الأوقات حتى عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا يؤخرها، ويجهر فيما كان يجهر فيه، ويسر فيما كان يسر فيه، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في غروب الشمس وطلوعها، وخالف في الإجهار بالنهار؛ لفواته عنده لفوات زمانه كتكبير أيام التشريق، والليل عنده يحتمل الجهر والسر، وخيره الأوزاعي في السر والجهر مطلقا، ووافقنا أبو حنيفة في السر والجهر، وخالفنا في طلوع الشمس وغروبها، وأبطل صبح اليوم بطلوع الشمس عليه فيه؛ بخلاف غروب الشمس عليه في عصر يومه - محتجا بنهيه - عليه السلام - عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، مفرقا بين الصبح والعصر؛ فإن الطلوع يتعقبه وقت المنع، والغروب يتعقبه وقت الإباحة، وجوابه‏:‏ أن نصه عام في الفرائض والنوافل، وقوله - عليه السلام -‏:‏ فليصلها إذا ذكرها خاص بالفرائض، فيقدم الخاص على العام، قالوا ما ذكرتموه عام في الأزمان دون الصلوات، وما ذكرناه عام في الصلوات دون الأزمان؛ فليس أحدهما بحمله على الآخر أولى من العكس؛ لأن كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه، قلنا‏:‏ لا نسلم؛ إذ ما ذكرناه عام في الأزمان بل أي زمان ثبت فيه الحكم سقط عن غيره كالمطلقات، سلمناه لكن ما ذكرناه مؤكد بقوله - عليه السلام -‏:‏ فإن ذلك وقت لها والمؤكد أولى من غيره‏.‏ لنا على ‏(‏ش‏)‏ أنها صفة للقراءة؛ فلا تسقط كصفة الركوع والسجود؛ ولأن قوله - عليه السلام -‏:‏ فليصلها إذا ذكرها إشارة إلى المنسية بجملة صفاتها‏.‏

الثاني‏:‏ قال سند‏:‏ من ترك الصلاة كفرا ثم اسلم لا قضاء لما تركه في ردته ولا قبلها عند مالك، و‏(‏ح‏)‏ خلافا ‏(‏ش‏)‏، ولابن حنبل قولان؛ لنا قوله - عليه السلام -‏:‏ الإسلام يجب ما قبله ‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في ترتيب الفوائت

وفي الجواهر هو واجب لما في مسلم‏:‏ أن عمر بن الخطاب يوم الخندق جعل يسب كفار قريش، وقال‏:‏ يا رسول الله، ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي - عليه السلام -‏:‏ فوالله ما صليتها، فنزلنا إلى بطحان، فتوضأ النبي - عليه السلام - وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - العصر بعد ما غربت الشمس، وصلى بعدها المغرب، وقياسا على ترتيب الأركان؛ لأنه ترتيب متعلق بالصلاة؛ فإن علم أعيان الصلوات ولم يشك صلاها، وإن شك أوقع من الصلوات أعدادا تحيط بعدد تلك الشكوك‏.‏

فروع ستة‏:‏

الأول في الجواهر‏:‏ لو نسي صلاة من خمس لا يدري عينها، صلى خمسا، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏، وقال المزني‏:‏ القياس عندي أن تجزيه أربع ركعات ينوي بها ما عليه يجهر في الأوليين؛ لأن الغالب على الصلوات الجهر، ويجلس بعد الثالثة؛ لاحتمال أن تكون المغرب، وإن كانت الصبح فقد صلاها، وزاد لأجل الشك ركعتين؛ فلا يضره كمن صلى الصبح أربعا سهوا، وجوابه‏:‏ منع الصحة بكثرة السهو على تقدير كونها الصبح، سلمناه لكن الساهي يعتقد أنه في الصبح، وهذا يعتقد الزيادة عليها، وكذلك زيادة الجلوس بعد الثالثة على تقدير كونها أربعة مفسد أيضا، وكذلك زيادة الرابعة على تقدير كونها ثلاثية‏.‏

الثاني قال في الجواهر‏:‏ لو نسي ظهرا وعصرا لا يدري أيتهما قبل صاحبتها، فالمشهور يصلي ظهرا بين عصرين، أو عصرا بين ظهرين؛ وقيل‏:‏ يصلي ظهرا للسبت ثم عصرا للأحد، ثم عصرا للسبت، ثم ظهرا للأحد؛ مراعاة أعيان الأيام، فلو علم أن أحداهما سفرية وشك في تقديمها، فالذي رجع إليه ابن القاسم‏:‏ أن يصلي ستا ظهرا حضريا، ثم يعيده سفريا، ثم عصرا حضريا، ثم يعيده سفريا، قال‏:‏ وضابط هذا الباب أن يضرب المنسيات في أقل منها بواحدة، ويزيد على المتحصل واحدة، ويصلي الجميع على حسبما تقدم، فإن شك في السفر أعاد كل صلاة يصليها سفرية، فلو ذكر صبحا وظهرا وعصرا صلى سبعا مبتدئا من الصبح إلى العصر ثم الصبح، فإن شك في السفر أعاد كل رباعية بعد فعلها سفرية، فتبلغ إحدى عشرة، وعلى هذا القانون وعلى غير المشهور في مراعاة الأيام يضاعف العدد الذي ينتهي إليه الحساب‏.‏

الثالث في الجواهر‏:‏ لو علم عين الصلاة وجهل يومها، صلاها غير ملتفت إلى تعيين الأيام؛ لأن التقرب بالصلاة لا باليوم، قال سند‏:‏ هذا إذا شك في جملة الأيام، أما إن شك في يومين، قال سحنون‏:‏ الحكم واحد، وقال ابن حبيب‏:‏ يصليها مرتين ليومين نظرا لاعتبار الأيام، قال‏:‏ ومقتضى مذهبه لو انحصرت له جمعة معينة صلى سبعا، وإنما سقط في عموم الجهل لكثرة المشقة، وفي الجواهر‏:‏ لو شك في كونها سفرية صلاها سفرية، ثم حضرية‏.‏

الرابع في الجواهر‏:‏ لو نسى صلاة وثانيتها، ولا يدري ما هما‏؟‏ صلى الخمس على ترتيبها وأعاد ما بدأ به؛ ولو كانت ثالثها فستا أيضا؛ لكن يصلي كل صلاة وثالثها، ثم ثالثة الثالثة كذلك حتى يكمل ستا، وكمالها بإعادة الأولى، ولو كانت رابعتها أعقب كل صلاة برابعتها، أو خامستها، أعقب كل صلاة بخامستها، ولو كانت سادستها أو حادية عشرها أو سادسة عشرها؛ فإنها عين الأولى فليصل ظهرين وعصرين، ومغربين وعشاءين وصبحين‏.‏

الخامس في الجلاب‏:‏ إذا نسي صلاتين مرتبتين من يوم وليلة لا يدري الليل قبل النهار أو النهار قبل الليل‏؟‏ صلى ست صلوات مبتدئا بالظهر استحبابا؛ لأنها أول صلاة بدأ بها جبريل - عليه السلام -، وأي صلاة بدأ بها أعادها، قال أبو الطاهر‏:‏ وقيل‏:‏ يبدأ بالصبح لأنها أول النهار، ومنشأ الخلاف‏:‏ هل هي من النهار فتكون أوله أو لا فتكون الظهر أول النهار‏؟‏ فإن كن ثلاثا قضى سبعا، أو أربعا قضى ثماني، أو خمسا قضى تسعا على الشرط المتقدم‏.‏ قال سند‏:‏ وهذا محمول على المتجاورات، أما لو كانت الصلاتان مفترقتين ففي كتاب ابن سحنون‏:‏ يصلي سبع صلوات يبدأ بصلاتي الليل، ثم بصلاتي النهار؛ ولا يبدأ بصلوات النهار لئلا يصلي ثماني، قال سند‏:‏ فلو كن ثلاثا وبدأ بالمغرب صلى سبعا، ولو بدأ بالصبح صلى ثماني؛ لأنه إذا أكمل بالعشاء احتمل أن تكون هي الأولى فيعيد الظهر والعصر، وإن بدأ بالظهر صلى سبع صلوات؛ لأنه إذا أكمل بالصبح فقد تكون هي الأولى وبعدها صلاتان من الأربع؛ فيعيد الأربع وإن بدأ بالعصر صلى ثماني، أو بالعشاء صلى تسعا‏.‏

السادس‏:‏ قال سند‏:‏ لو نسي صلاتين لا يدري أهما من يوم أو يومين‏؟‏ صلى عشر صلوات ليومين إلا أن يتيقن أنهما متغايران فيصلي سبعا؛ لأنه إذا بدأ بصلاة يوم يجوز أن تكون الخامسة الأولى وما بعدها إلى ما يضاهيها من الخمس، ويجوز أن تكون هي الثانية‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في ترتيب القضاء مع الأداء

قال ابن الجلاب في الترتيب كله‏:‏ إنه واجب مع الذكر ساقط مع النسيان في المتروكات في الوقت وبعده، وفي المفعولات يستحب في الوقت، وصلاة الجنازة لا يجب الترتيب معها؛ فهي مستثناة نقله في الجواهر عن ابن القاسم وجماعة‏.‏ نظائر الترتيب والتسمية في الذبيحة وموالاة الطهارة، وإزالة النجاسة، والوجوب فيها عند مالك - رحمه الله - مع الذكر دون النسيان على خلاف قاعدة الواجبات؛ لضعف مدرك الوجوب فيها، فسقط مع النسيان، وفي الجواهر‏:‏ هو واجب في اليسير، فيقدم على الحاضرة ولو فات وقت ادائها، وقال ابن، وهب و‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ يبدأ بالوقتية، وروى أشهب التخيير بينهما‏.‏ لنا الحديث المتقدم قدم فيه - عليه السلام - العصر على المغرب، وعين الوقت للمنسية في الحديث الآخر بقوله‏:‏ فليصلها إذا ذكرها ‏.‏ ويروى‏:‏ فإن ذلك وقتها، وهو لا يتسع لغيرها، فوجب تأخيرها وهو المطلوب، واتفقت الأمة على أن من نسي الظهر يوم عرفة وأحرم بالعصر ثم ذكر الظهر؛ فإنها تفسد عليه فيجب تقديم ما تقدم وجوبه، إلا ما استثني حجة ‏(‏ش‏)‏ القياس على ترتيب الخمس مع الجنازة، والقليل على الكثير، والمذكور على المنسي؛ فإنه لو نسي فبدأ بالحاضرة ولم يذكر حتى خرج وقت الحاضرة؛ صحت‏.‏

وفي الباب فروع خمسة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ من ذكر منسية في مكتوبة قطع، وإن صلى ركعة شفعها، أو ركعتين سلم، أو ثلاثا أتمها، قال ابن القاسم‏:‏ ويقطع بعد ثلاث أحب الي، وإن كان مأموما فلا يقطع، وإن كانت المغرب تمادى مع الإمام واعادها، وإذا سلم صلى ما نسي وأعاد ما صلى مع الإمام، وإن صلى قبلها صلاة وأدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام؛ فليعدهما جميعا بعد الفائتة، ووقت المغرب والعشاء في هذا الليل كله‏.‏ قال سند‏:‏ مذهب ابن القاسم وسحنون‏:‏ أن الترتيب غير واجب ولا شرط، وظاهر الكتاب يقضى الوجوب والشرطية لقضائه بفساد الحاضرة، وقوله‏:‏ يتمادى المأموم ويكمل الذاكر بعد ثلاث يشهد لابن القاسم، وإذا قلنا لا يقضى فثلاثة أقوال في الكتاب‏:‏ يقطع، وفي العتبية يجعلها نافلة، وفرق ابن حبيب بين ما خرج وقته فلا يقطع، وقال‏:‏ إن ذكر ظهر يومه في العصر، أو مغرب ليلته في العشاء يقطع، وأما ما خرج وقته في آخر وقت الحاضرة؛ فاستدراكه لبقية الواجب أولى من نافلة لا تجزيه‏.‏ حجة ما في الكتاب‏:‏ القياس على من أقيمت عليه صلاة في المسجد بعد إحرامه بها منفردا، وجه إتمامها نافلة القياس على من أقيمت عليه فريضة في نافلة، وأما قوله‏:‏ يضيف إليها أخرى؛ فنقول‏:‏ إن كان الوقت الاختياري قائما يسع المنسية والنافلة فكما قال، وإن لم يسع كذاكر الظهر في آخر وقت الاشتراك؛ فإن أتم نافلة خرج الوقت فلا يحل له أن يشتغل بما لا يجب عليه أصله، قال‏:‏ وهو مقتضى قول أصحابنا‏:‏ إن من أخر عن الاختياري أثم، وعلى القول بعدم التأثيم يحتمل التمادي، وإن خرج الاختياري والضروري فأتم يتمها على المذهب نافلة ما لم يمنع ذلك من أداء المذكور فيها، وعند ابن حبيب يقطع على شفع أو وتر، فإن كان يمنع قطع إلا أن يمتنع أداء المذكور فيها بكل وجه، وأما قول ابن القاسم في الذاكر بعد ثلاث يقطع أحب إلي، فلا يظهر للذكر أثر، قال‏:‏ ويتخرج على قوله وعلى قول مالك إن ذكر بعد ركعة من الصبح فعنده يقطع، وعند مالك يتمادى، وأما قوله لا يقطع خلف الإمام، فقاله ‏(‏ش وح‏)‏ إما لأن الإمام يحمل الترتيب كالقراءة، أو لأن المتابعة متفق على وجوبها بخلافه، ويعيد الحاضرة بعد المنسية بعد مفارقة الإمام ما دام، وقتها عند ابن القاسم وسحنون، وأبدا عند ابن حبيب، فإن الذكر عنده يؤثر في ابطال الفرضية، فتبقى نافلة، وأما قوله‏:‏ يتمادى المأموم في صلاة المغرب، فقد حكى اللخمي رواية‏:‏ بأنه يضيف إليها أخرى ويجعلها رابعة، والأولى مبنية على أن الذكر لا يفسدها، والثانية مبنية على أنه يفسدها، وقوله يعيدها، قال سند‏:‏ استحبابا، والفرق بين هذا وبين من دخل مع الإمام فذكر أنه صلى وحده المغرب أن هذا اختلف في صحة صلاته، وذاك اتفق على صحة صلاته؛ فتعين أعادة المغرب مرتين‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ إذا ذكر منسية بعد إيقاعه للظهر والعصر قبل الغروب مقدار يسع الثلاث، صلى المنسية ثم أعادها على الترتيب، وإن اتسع للمنسية مع أحداهما، صلى المنسية وأعاد العصر، وكذلك المغرب والعشاء مع الصبح، وقال في النوادر‏:‏ الوقت إلى اصفرار الشمس فقط‏.‏

ملاحظة‏:‏ إن ترتيب المفعولات مستحب وهذا وقت نهي، وقياسا على من نسي النجاسة أو أخطأ القبلة، والفرق على الوجه الأول‏:‏ أن الشرع سامح فيهما في مواضع مع الذكر، ولم يسامح في الترتيب مع الذكر، وحكى في الجواهر في الوقت‏:‏ هل هو الضروري أو الاختياري قولين مطلقا‏.‏ قال سند‏:‏ فلو صلى المنسية ونسي إعادة ما صلى قبلها حتى خرج الوقت، قال ابن القاسم‏:‏ لا يعيدها خلافا لمطرف لوقوع الصلاة صحيحة، وراعى مطرف أن الترتيب واجب فيستدرك مع الذكر ابتداء، ولو ذكرها بعد إيقاع الجمعة، قال مالك وابن القاسم‏:‏ يعيد ظهرا‏.‏

وقال أشهب‏:‏ لا يعيد؛ لأن الفراغ من الجمعة كخروج الوقت، وإن ذكر في الجمعة، ففي الجواهر قال أشهب‏:‏ إن علم أنه يدرك ركعة بعد المنسية فأحب إلي أن يقطع ويقضي، ثم يعود إلى الجمعة، وإلا تمادى ولا إعادة عليه في الجمعة إلا احتياطا، وقال الشيخ‏:‏ أبو الحسن‏:‏ مذهب مالك اتباع الإمام وإعادة الجمعة ظهرا، فلو صلى صلوات ذاكرا للمنسية، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ يصلي المنسية وما بقى وقته من المفعولات، وهو يؤكد قول ابن القاسم‏:‏ أن الترتيب ليس بشرط، قال سند‏:‏ وعلى القول بشرطيته يعيد المفعولات بعد الوقت، وقاله ابن حبيب، ولو ذكرها آخر النهار فصلاها وقد بقي ما يسع صلاته فصلى العصر فبقي بقية، قال مالك‏:‏ يعيد الظهر والعصر، وقال سحنون‏:‏ الظهر فقط، ولو ذكرها بعد ما ركع الفجر قبل الصبح فصلاها، قال سحنون‏:‏ يعيد الفجر؛ لأنه متعلق بوقت مخصوص فيجب الترتيب كالمفروضة، ولو صلى المذكورة بعد الحاضرة، وبقي ما يسع الحاضرة وشك في فائتة؛ صلى الفائتة ولا يعيد الحاضرة لخروج الوقت‏.‏

الثالث في الكتاب‏:‏ إن ذكرها في نافلة وكان صلى منها ركعة أضاف إليها أخرى، وإلا قطع، وكان يقول‏:‏ يقطع بقدر ركعة؛ أما عدم القطع بعد ركعة، فقياسا على الفريضة والوقت مستحق للنافلة؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة،‏.‏ وأما القطع بعد ركعة فلأنه لولا ذلك لم يظهر للذكر أثر، بخلاف الفريضة فإنه انصرف عما عزم عليه، والفرق عند مالك في كونه يقطع ثلاثا في الفرض، ولا يقطع بعد ركعة في النافلة‏:‏ أن الثلاث الأكثر من العبادة بخلاف ركعة من النافلة، وإنما وزانها ركعتان في الفرض، وهو يقطع فيهما، وإذا قطع النافلة فلا يعيدها كمن أقيمت عليه الفريضة في نافلة؛ لعدم تعمده الإبطال‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ إذا ذكر الإمام منسية يقطع ويعلمهم يقطعون، فإن لم يذكرها حتى فرغ لا يعيدون، ويعيد هو بعد قضاء المنسية، وكان يقول يعيدون في الوقت، فجعله يقطع بخلاف الفذ فإنه يجعل صلاته نافلة على التفصيل المتقدم، ولو أتم الإمام نافلة؛ لأفسد عليهم بتماديه، قال سند‏:‏ وعلى قوله يقطعون أجمعون فإنه إن ركع أتى بثانية وسلم بهم، وروى ابن القاسم‏:‏ أنه يستخلف كالحدث، وجه الأول‏:‏ أن الإمام قطع لخلل في صفة صلاته، فإن الترتيب صفة كالإحرام والقراءة والنية، يقطع المأموم مع الإمام فيه كما يقطع فيهما، والحدث شرط مفارق‏.‏ ولهذه الإشارة قال أصحابنا‏:‏ كلما بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم إلا في نسيان الحدث وسبقه‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ إن ذكر ثلاثا وما قرب منهن، قدمهن على الحاضرة وإن فاتت، وإن كثرت بدأ بالحاضرة ثم المنسيات، ثم الحاضرة إن بقى من وقتها شيء، وإلا فلا، قال سند‏:‏ ظاهر الكتاب يقتضي أن الأربع غاية الكثرة، وأن الخمس تقدم الحاضرة عليهن وقاله سحنون؛ وروي عن مالك تقدم الخمس على الحاضرة، وحكى صاحب التنبيهات القولين في ظاهر الكتاب؛ وقال ابن الحاجب‏:‏ إذا كان عليه منسيات كثيرة فقضاهن وبقى عليه خمس، كن كالخمس المنفردات يجب ترتيبها في نفسها‏.‏ ومع الحاضرة، وعبر عن ذلك بقوله‏:‏ يجب الترتيب في الخمس أصلا أو بناء‏.‏ قال سند‏:‏ وقال ابن مسلمة‏:‏ تقدم المنسيات وإن كثرن إذا أتي بجميعها في فورة وإن خرج وقت الحاضرة، وجعل إجماعهما، في فور واحد كصلاة واحدة كما قلنا في النوافل الكثيرة بعد الفريضة بالتيمم‏.‏ حجة التقديم على الحاضرة من حيث الجملة‏:‏ إن الترتيب واجب لما تقدم والواجب يترك للواجب، وإن قلنا‏:‏ بأنه سنة كما قاله ابن القاسم، فنقول هذا الوقت بين الحاضرة والمنسية؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ فإن ذلك وقتها والمنسية أولى لتقدم وجوبها، أما الاقتصار على الأربع، فلما روى ابن مسعود قال كنا مع النبي فحبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاشتد ذلك علي؛ فقلت‏:‏ نحن مع رسول الله وفي سبيل الله، فأمر النبي - عليه السلام - بلالا فأقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم إقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء، ثم طاف علينا فقال ما على الأرض قوم يذكرون الله غيركم‏.‏ احتج به الباجي وليس فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنهن قدمن على الصبح‏.‏ حجة الخمس‏:‏ قوله - عليه السلام - من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها - وهو عام في القليل والكثير، وخالفناه في الكثير الذي يتكرر وهو السادسة فما فوقها لحصول المشقة، فبقي ما عداه على مقتضى الدليل‏.‏

الثالث عشر‏:‏ في الوتر

وهو الفرد واحدا أو أكثر، وهو بفتح الواو عند أهل الحجاز وبكسرها‏:‏ الرجل، ولغة أهل العالية على العكس، وتميم تكسر فيهما، وهو بالتاء المثناة، وأما المثلثة مع الكسر فهو الفراش الوطئ، ومع الفتح‏:‏ ماء الفحل يجمع في رحم الناقة إذا أكثر الفحل ضرابها ولم تلقح‏.‏ وهو عندنا سنة مؤكدة، وحكى المازري عن سحنون وجوبه، وبه قال ‏(‏ح‏)‏ محتجا بما يروى عنه - عليه السلام -‏:‏ إن الله زادكم صلاة إلى صلواتكم الخمس، ألا وهي الوتر، والزيادة على الشيء تقتضي أن تكون من جنسه وهو غير ثابت‏.‏ لنا ما في مسلم‏:‏ أنه - عليه السلام - قال للسائل لما سأله عن الصلوات الخمس، فقال‏:‏ هل علي غيرهن‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا أن تطوع ‏.‏ فقال‏:‏ والله لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن‏.‏ فقال‏:‏ أفلح والله إن صدق ولفعله - عليه السلام - إياه على الراحلة وهو من شعار النوافل‏.‏

سؤال‏:‏ قيام الليل والوتر واجبان على النبي؛ فكيف يستقيم الاستدلال‏؟‏‏.‏

جوابه‏:‏ إن ذلك ليس بواجب عليه في السفر، وفي الجواهر آكد الصلوات بعد الخمس‏:‏ العيدان، ثم الكسوف، ثم الوتر، ثم الفجر، ثم ركعتان بعد المغرب، واختلف في ركعتي الإحرام‏:‏ هل هما سنة أو نافلة‏؟‏ وفي ركعتي الطواف‏:‏ هل سنة أو حكمها حكم الطواف‏؟‏ وفي الكتاب هو واحد وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ بثلاث بتسليمة‏.‏ لنا ما في الصحاح‏:‏ أن رجلا سأل النبي - عليه السلام - عن صلاة الليل، فقال - عليه السلام -‏:‏ مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدةَ يوتر له ما قد صلى ‏.‏ قال سند‏:‏ فلو أوتر خلف من يوتر بثلاث، قال مالك‏:‏ يوافقه، ولو أراد أن يشفع وتره بعد ذلك فروى ابن القاسم المنع، وروى غيره الكراهة والجواز، ومن أحرم بشفع لا يحوله وترا قاله ابن القاسم، وهو ظاهر الكتاب، وروي الجواز، وهو مبنى على نية الركعات، ونقل اللخمي عن مالك افتقاره إلى النية لتمييز رتبته، وعن أصبغ عدم افتقاره؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة يوتر له ما قد صلى‏.‏ وظاهره أنه إذا أحرم بشفع جعله وترا إذا خشي الصبح، وأما الركعتان قبله ففي الجواهر قيل هما شرط في تمام الفضيلة، وقيل‏:‏ في الصحة، وسبب الخلاف‏:‏ هل هو وتر للفرض أو للنفل‏؟‏ وفي اختصاص الركعتين به، أو تكفي كل ركعتين قولان، وهل يشترط اتصالهما به قولان، وفي الكتاب لا يوتر بواحدة ليس قبلها شيء في سفر ولا حضر؛ خلافا ‏(‏ش‏)‏ أما الحديث السابق على أنه وتر النفل فلا بد من تقدمه، قال سند‏:‏ ظاهر الكتاب لا يوتر بواحدة لعذر المرض؛ خلافا لسحنون في المرض والسفر فإن فعل من غير عذر، قال أشهب‏:‏ يعيد وتره بإثر شفع ما لم يصل الصبح، وقال سحنون‏:‏ إن كان بقرب شفعه وأوتر وإلا فلا شيء عليه، وروى ابن القاسم اتصاله بالشفع في المجلس، وروى ابن نافع غير ذلك، والأول هو المنقول عن السلف‏.‏ وفي الكتاب الذي أخذ به في نفسي القراءة فيه بالحمد والإخلاص والمعوذتين‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ وكان لا يفتي به، وإنما يفعله، وروى سحنون ذلك عنه - عليه السلام - وهو في أبي داود، وهو قول جماعة من أصحاب ‏(‏ش‏)‏، قال سند‏:‏ وقال ابن حبيب ‏(‏ح‏)‏ بترك المعوذتين، فإن اقتصر على الحمد ففي العتبية لا سجود عليه، ولو سها عن جملة القراءة قال مالك‏:‏ أحب إلي أن يشفعه ويسجد للسهو ثم يوتر، فلو لم يدر هل ترك القراءة من الشفع أو من الوتر‏؟‏ قال سحنون‏:‏ يسجد قبل السلام ويعيد شفعه ووتره، وهذا يتجه فيمن جمع شفعه ووتره في سلام، أما لو سلم بينهما، فقال مالك‏:‏ يشفع وتره ثم يوتر، فإن ذكر سجدة ولم يدر من وتره أو شفعه‏؟‏ قال سحنون‏:‏ إن تقدم له إشفاع سجد سجدة وسلم وسجد بعد السلام وتجزيه، وإلا أصلح هذه بسجدة وشفعها وسجد بعد السلام وأوتر، وقال أبو الطاهر‏:‏ يجهر في الوتر، فإن سها عن الجهر سجد قبل السلام أو بعده، ففي بطلان وتره قولان؛ لأن ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره ممن وصف وتره - عليه السلام - ذكره جهرا، وأما الشفع، فقال مالك‏:‏ في المجموعة لا يختص بقراءة، وخصصه القاضي في المعونة بسبح في الأولى، وقل‏:‏ يأيها الكافرون في الثانية، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏ وابن حنبل‏.‏

فروع خمسة‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ يصلي الوتر بعد الفجر، وقاله ‏(‏ش وح‏)‏؛ خلافا لابن حنبل وأبي مصعب واللخمي منا، فعندنا له وقتان‏:‏ اختياري إلى الفجر، واضطراري بعده إلى الشمس، وعندهم اختياري فقط‏.‏ لنا ما في الترمذي‏:‏ من نام عن وتره فليصله إذا أصبح، قال مالك في الموطأ‏:‏ ولا يتعمد تأخيره بعد الفجر، قال سند‏:‏ فإن أصبح والوقت متسع وقد تنفل بعد العشاء، قال ابن القاسم‏:‏ يوتر الآن بواحدة، وإلا صلى قبله ركعتين؛ لأن الشفع قبله من الرواتب، فإن لم يتسع الوقت للشفع والوتر وركعتي الفجر، قال أصبغ‏:‏ يسقط، قال سند‏:‏ وفيه نظر؛ لأنه اعلق بالوقت من الشفع؛ لأن الصبح يقدم على الوتر عند ضيق الوقت فيقدم تابعه‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إذا ضاق الوقت إلا عن الصبح والوتر صلاهما وترك الفجر؛ للاختلاف في وجوب الوتر؛ لأنه يستدرك نهارا بخلاف الوتر، وإن لم يسع إلا الصبح صلاه ولا يقضي بعد الشمس إلا الفجر إن شاء، فإن بقي أربع ركعات، قال أصبغ في الموازية‏:‏ يوتر بثلاث ويدرك الصبح بركعة، وقال ابن المواز‏:‏ يوتر بواحدة ويكمل الصبح في الوقت وهو ظاهر الكتاب، وأما القضاء، فقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجب قضاء الوتر بعد الشمس؛ لأنه واجب عنده و‏(‏ش‏)‏ قولان في سائر السنن المؤقتة‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ يوتر على الراحلة في السفر حيث توجهت - وقاله ‏(‏ش‏)‏، خلافا ‏(‏ح‏)‏، قال واجب أن يصلي ركعتين ويوتر على الأرض، ثم ينتقل على الراحلة، ولا يعيد وتره بعد التنفل خلافا ‏(‏ش‏)‏، وفي مسلم‏:‏ أوتر - عليه السلام - أول الليل ووسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر، قال‏:‏ وإن أوتر قبل العشاء ناسيا أعاده بعدها، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا ‏(‏ح‏)‏‏.‏ لنا العمل‏.‏

الثالث في الكتاب‏:‏ إذا دخل في الصبح - ناسيا، وتر ليلته أن يقطعه ويوتر وإن كان مأموما، وقد كان يرخص في التمادي للمأموم حجة القطع‏:‏ قوله - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ من نام عن وتره فليصله إذا ذكره ‏.‏ قال صاحب الاستذكار‏:‏ ما قال أحد بقطع الصبح إلا ابن القاسم، والصحيح عن مالك عدم القطع، قال سند‏:‏ قال المغيرة والباجي لا يقطع منفرد ولا غيره؛ لأن الفرض لا يقطع إلا للفرض، وروى في المأموم التخير، فيكون فيه ثلاثة أقوال؛ قال‏:‏ وإذا قلنا لا يقطع المأموم فيجوز ألا يقطع الإمام مراعاة للجماعة في حقهما، ويجوز أن يفرق بوجوب الاتباع‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ لا يقضي الوتر بعد الصبح؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ إذا شك في تشهده هل هو في الشفع أو الوتر سلم، وسجد لسهوه، ثم أوتر؛ لأن الأصل بقاء الوتر، قال سند‏:‏ اختار عبد الحق عدم السجود وحمل مسألة الكتاب على من يجوز إضافة الوتر إلى الشفع، وروي السجود قبل السلام؛ لاحتمال كونه في الوتر فيشفعه بالسجود‏.‏